من نظريات تعليم العربية وتعلمها: البنائية والبنيوية

مقدمة
ليس من الممكن فهم تعليم اللغة دون فهم النظريات التى تفسر نظام اللغة وتحكم طرائق تعليمها وتعلمها على مر العصور.
إن تفسير نظام اللغة قد مر عبر العصور من خلال مدرستين رئيستين هما:
- المدرسة الإنسانية: التى طورت لنا عبر العصور النظرية البنيوية.
- المدرسة السلوكية: التى طورت لنا عبر العصور النظرية البنائية.
وسنعرض لكل نظرية من هاتين النظريتين من حيث المبنى والمعنى، ومن حيث انعكاساتها على عملية التعليم والتعلم بصفة عامة، والمناهج وطرق التدريس بصفة خاصة، والفرق بينهما فى نهاية البحث.
أولا: المدرسة الإنسانية (النظرية البنيوية)
تتسق المدرسة الإنسانية مع التصور الإسلامى للألوهية والكون والإنسان والحياة، كما تعتز بالإنسان والمجتمع وتجعل قيمة الإنسان هى العليا، وتجعل الإنسان هو مصدر التغير الاجتماعى.
نظرية النظم عند عبد القاهر والتأسيس للنظرية البنيوية
اهتم السابقون على الإمام عبد القاهر الجرجانى بالألفاظ، وجعلوا لها شأنا كبيرا فى تحقيق بلاغة الكلام، وقد رفض عبد القاهر ذلك بشدة، على اعتبار أن الألفاظ تابعة للمعانى، فالإعجاز فى النص القرآنى أو النص الأدبى عنده لا يكمن فى الألفاظ بالدرجة الأولى وإنما يكمن فى الأفكار.
فالنظم عند عبد القاهر ذو مستويين: مستوى فكرى نفسى، ومستوى لفظى صوتى، والأول هو الذى يستدعى الثانى ويؤلفه وليس العكس؛ فهو يربط بين البلاغة باعتبارها فنا قوليا والفنون الأخرى، مثل الرسم والنحت والتصوير والنقش. ويرى أن الفنان يهب المادة الخام وجودا جديدا، فقد يتناول قطعتين من الحجر، فيشكل واحدا منهما من هذه المادة تمثالا رائع الدقة والجمال يكاد ينطق بالمعانى التى أودعها فيه الفنان فى حين يصنع منها الآخر مسخا مشوها لا يعبر عن شئ، وهنا نجد الفرق الكبير بين الصورتين مع أنهما فى الأصل من مادة واحدة، وكذلك الحال بين الشاعر والشاعر الآخر فى توخيه معانى النحو ووجوهه التى هى محصول النظم.
فالنظم عند عبد القاهر:
هو إدراك المعانى النحوية واستغلال هذا الادراك فى حسن الاختيار
والتأليف.
والمقصود بالمعانى النحوية القرائن النحوية من الذكر والحذف، والتقديم والتأخير والابتداء والإخبار؛ فتنظر فى وجوه كل باب وفروقه؛ فتعرف لكل حال موضعها، وتجئ بها حيث ينبغى لها وتوضع فى معناها الخاص الذى يلائم المعانى النفسية فى نسيج الكلام وتراكيبه.
فالاسم أى اسم قد تجئ به مفعولا به مرة، وقد تجئ به فاعلا مرة أخرى، وقد تقدمه مرة، وقد تؤخره مرة؛ لأنه يدل على معنى نفسى خاص فى نظم الكلام وتركيبه فى كل حالة؛ فهناك فوارق مثلا بين أن نقول: زَيدٌ مُنطَلِقٌ، ويَنْطَلِقُ زَيدٌ ، وزَيدٌ المُنطَلِقُ، والمُنطَلِقُ زَيد...
إذن لكى يتحقق النظم لا يكتفى بالإدراك الواعى للمعانى النحوية، بل لابد من إدراك كيفية استغلال هذه المعانى فى بناء العبارة ونسجها؛ فبناء العبارة ونسجها عند عبد القاهر يتطلب أمرين: الأول الاختيار، والثانى التأليف .
الاختيار
يراد به اختيار الكلمة المناسبة للمعنى النفسى لدى الأديب، وهنا ينبغى إدراك أنه حتى المترادفات هناك كلمة أفضل من كلمة فى سياق معين، بينما الأخرى قد تكون هى الأفضل فى سياق آخر.
التأليف
يراد به وضع كل كلمة فى مكانها المناسب من العبارة وفقا لمعناها النحوى؛
فوضع الكلمة موضع الابتداء يختلف عن وضعها موضع الإخبار.
كما نلحظ أن اختلاف وضع الكلمة فى التركيب يولد معانى نحوية كثيرة، كما أن الكلمة تكتسب معانى كثيرة بحسب المكانة التى تأخذها، ومن هنا كان (النحو التوليدى) فاللغة هى الاستخدام اللامحدود لموارد محدودة.
ثنائية البنية اللغوية :
أقام عبد القاهر نظريته فى النظم على ثنائية المعانى والألفاظ إلا أنه أعلى من شأن المعانى، وجعلها الأساس فى اختيار الالفاظ وترتيبها.
وعلى النسق نفسه أقام تشومكسى نظريته اللغوية ،
على أساس أن منظومة اللغة ذات بنية ثنائية، ويقصد بذلك أن الجملة اللغوية لها
بنية سطحية ظاهرة، هى تلك التى ننطق بها (أى الألفاظ) وبنية منطقية عميقة، وهى
البنية التى تتشكل فى مخ صاحب الجملة قبل النطق بها (أى المعانى المرتبة)
وعملية الاخراج الصوتى هى عملية تحويل هذه البنية العميقة أى البنية الفكرية
إلى ألفاظ مسموعة.
ويؤكد دى سوسير ما قاله عبد القاهر، فاللغة فى رأيه (نظام ) من العناصر القواعدية والمعجمية المترابطة.
وقامت المعرفة لديه على ثنائية الرمز ومدلوله؛ ليمهد بهذه الثنائية للقاء اللغة مع المعلوماتية وجوهرها الثنائى المعروف.
البنيوية وتدريس اللغة
إن المدخل فى تدريس اللغة وفقا لهذه النظرية هو شرح النظام النحوى والصرفى ( البنية العميقة ) ثم الانطلاق من هذه المعانى النحوية وقواعدها الى المهارات اللغوية الأخرى والتطبيق عليها، من خلال الألفاظ والجمل والأمثلة .......الخ
وهو ما نسميه حاليا بالطريقة القياسية فى تعليم اللغة العربية للناطقين بها، وطريقة النحو والترجمة فى مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
الطريقة القياسية
هى إحدى طرائق التفكير التى يستخدمها العقل فى الوصول من المعلوم إلى المجهول، وهى طريقة اتبعت فى تعليم العربية لأبنائها.
طريقة النحو والترجمة
تقوم فى التدريس على شرح القواعد والانطلاق منها إلى تعليم قراءة النصوص العربية وترجمتها إلى اللغات الأم أو اللغات المحلية، اتبعت هذه الطريقة فى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها .
أهم منطلقات النظرية البنيوية فى تدريس اللغة
- اللغة نظام من القواعد النحوية التى لا بد من فهمها كشرط لممارسة اللغة على النحو الصحيح.
- اللغة نشاط ذهنى وتدريب عقلى يشتمل على تعلم نظام اللغة، وتذكر قواعدها، والتفريق بين المعانى النحوية، ثم القياس عليها من الأمثلة والنصوص.
- نظام اللغة وقواعدها النحوية والصرفية هو الإطار المرجعى لتعليمها وتعلمها.
- سيطرة الدارسين وفقا لهذه النظرية يكون على مهارات القراءة والكتابة قبل الاستماع والكلام.
خطوات التدريس وفقا للنظرية المعرفية
الطرائق المتبعة فى تدريس العربية وفقا للنظرية المعرفية كالطريقة القياسية وطريقة النحو والترجمة تسير غالبا على النحو الآتى :
- يلم الدارس بقواعد اللغة العربية، ويتعرف على أصواتها وقواعدها وخصائصها أولا.
- تقديم القواعد النحوية حسب الترتيب المنطقى لها، ثم يتم القياس عليها عن طريق الشواهد والنصوص البلاغية.
- تقديم الأمثلة والنصوص والتراكيب حسب ما يقتضيه نظام اللغة وقواعدها؛ فالألفاظ تابعة للمعانى النحوية والطلاب بمساعدة المعلم يردون الفروع إلى الأصول، ويطبقون القواعد على النصوص.
- ضبط النصوص والأمثلة والشواهد مرتبط بمعرفة النظام اللغوى والقواعد النحوية والصرفية.
إذن فتنمية قدرات الطالب العقلية هدف أساىسى من أهداف هذه الطريقة حتى يستطيع مواجهة مواقف التعلم المختلفة بمشكلاتها غير المتوقعة .
المدرسة المادية السلوكية و( النظرية البنائية
التركيبية)
شاعت النظرية البنائية أو التركيبية خلال الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، وهذه النظرية تقوم على تأكيد العلاقة بين السلوك والتدريب وتكوين العادات، وقد اعتمدت الطريقة القائمة على هذه النظرية تلقين المتعلم مختلف التراكيب النحوية فى اللغة، واتباع أسلوب تكرارها كلاما وكتابة؛ من أجل إيجاد عادات كلامية وبناء سلوك لغوى مركز عند المتعلم.
وقد اعتمدت هذه النظرية على الطريقة المباشرة والتركيز على القراءة والكتابة والطريقة السمعية الشفهية والطريقة الجزئية.
نظرية تربية الملكة اللسانية عند ابن خلدون
حيث تمدت جذور النظرية البنائية إلى العلامة ابن خلدون المتوفى سنة 727هـ وإلى نظريته المسماه "الملكة اللسانية "
- السمع أبو الملكات اللسانية.
- اللغة هى "عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل لسانى فلا بد أن تصير ملكة متقررة فى العضو الفاعل لها وهو اللسان".
- تربية الملكة لا يحتاج إلى النحو الذى هو علم صناعة الإعراب.
أما السلوكيون المحدثون فقد تمثلت آرائهم فى كتاب "السلوك اللغوى" الذى أصدره عالم النفس السلوكى (سكنر) عام 1957م .
فقد لجأ السلوكيون فى محاولتهم تفسير السلوك اللغوى إلى العوامل الخارجية التى تؤثر فيه، فالسلوك اللغوى فى نظرتهم عبارة عن مثير واستجابة، وبعد الستينيات انتقل الاهتمام إلى المتعلم ذاته باعتباره عاملا أساسيا وفعالا فى عملية تعلم اللغة، ومن ثم يبدأ التركيز على المتعلم وحاجاته والأغراض التى يتعلم اللغة من أجلها.
وبذلك يكون اكتساب اللغة عن طريق تربية الملكة الانسانية ، ويكون اكتساب الملكة الانسانية بكثرة السمع كما يقول ابن خلدون :"السمع أبو الملكات اللسانية " وهذا يعنى أن بناء الغريزة والملكة اللغوية يبدأ بالاستماع الجيد إلى النصوص الجميلة.
تكوين العادات اللغوية
يقول ابن خلدون " إن الملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقوم أولا وتعود منه للذات صفة، ثم يتكرر فتكون حالا؛ ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أى صفة راسخة ".
كما يرى أن النصوص المختارة للدراسة والحفظ يجب أن تثبت فى ثناياها مسائل اللغة والنحو، بحيث يتعرف الدارس من خلالها أهم قوانين العربية، ويؤكد أن الملكة لا تربى من خلال نصوص تحفظ دون فهم " فالملكة لا تحصل من الحفظ دون فهم ".
كيف تستفيد من نظرية ابن خلدون فى طرائق تدريس العربية؟
يرى ابن خلدون أن اللغة ملكة يمكن أن تكسب بالمران والتعليم والدربة، وهذه الملكه يمكن أن تستغنى عن حفظ القواعد والعلامات الإعرابية فى أداء المعنى بما سماه "القرائن الدالة على خصوصيات المقاصد" كالتقديم والتأخير والحذف والإثبات.
وتربية الملكة اللسانية لا تتم إلا من خلال حفظ النصوص الأصلية الراقية والشواهد الحية المتطورة، ويتم تناول النصوص كما تنطق فعلا، وأن تتم دراستها من حيث مستوى الأصوات والحروف وبنية الكلمة والتركيب والدلالة، فهذا هو المفهوم الحديث للنحو.
إن الملكة اللسانية لا تربى من خلال نصوص تحفظ دون فهم .
اكتساب اللغة عند سكنر والسلوكين
يرى سكنر أن اكتساب اللغة نوع من أنواع السلوك الشفهى التى لا تختلف عن غيره من أنواع السلوك الأخرى التى يكتسبها الفرد من خلال الخبرة والتجربة والمحاولة والخطأ.
وبهذا التفسير يخضع سكنر اللغة لثنائية المثير والاستجابة؛ أى أن للغة مدخلات ومخرجات، وأغفل العلاقة الوسيطة بين المثير والاستجابة التى تحدث بينهما داخل المخ الانسانى.
كما يرى ابن خلدون "إن الملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال، لأن الفعل يقوم أولا، وتعود منه للذات صفة، ثم يتكرر فتكون منه حالا، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزداد التكرار؛ فتكون ملكة أى صفة راسخة".
النظرية السلوكية فى التدريس
أثرت النظرية السلوكية البنائية التركيبية ببعديها القديم المتمثل فى تربية الملكة اللسانية عند ابن خلدون والحديث المتمثل فى بناء العادات اللغوية عند سكنر فى المداخل التى اتبعت فى تدريس اللغات، حيث نرى التأثير واضحا فى الطريقة المباشرة والطريقة الجزئية والطريقة السمعية الشفوية فى تعليم اللغات للناطقين بغيرها.
المبادئ الأساسية للنظرية السلوكية:
- النظرية السلوكية ترى أن عملية تعلم اللغة عبارة عن استقبال مثير واصدار استجابة وأن تعزيز الاستجابات يؤدى إلى تكرارها حتى تتكون التعادات اللغوية ( سكنر ) أو الملكة ( ابن خلدون).
- اللغة نظام صوتى كلامى، وليس كتابيا فالإنسان يتعلم اللغة بدءا بالاستماع إليها ثم نطق أصواتها ثم القراءة فالكتابة.
- تعلم اللغة يبدأ بالمحاكاة والتذكر والحفظ واكتساب العادات عن طريق التدريب والتعزيز .
- تعلم اللغة هو تعليم اللغة وليس عن اللغة، ولذلك يجب تدريب المتعلم على الممارسة اللغوية، وليس على تعلم القواعد.
- تعلم اللغة مستغن عن تعلم النحو الذى هو معرفة أواخر الكلم فى عبارة ابن خلدون (التعلم بالمحاكاة).
- الفرد يتعلم ثقافة اللغة من خلال النصوص والعبارات التى تحكي عادات الشعوب وتقاليد وأساليب حياتها وفنونها وآدابها وكل ما يميزها عن غيرها.
- اللغة تعلم من خلال اللغة ذاتها، وليس من خلال لغات أخرى .
- لا بد من اصطناع بيئة لغوية طبيعية .
- إن الكبير تعلم لغته الثانية كما يتعلم الطفل لغته الأولى، أى عن طريق الربط المباشر بين الأسماء والمسميات؛ فالاستخدام الفعلى للغة فى الحياة أساس التعلم .
- يتم تعليم النحو بأسلوب غير مباشر من خلال التعبيرات المحكمة والنصوص الجميلة التى يتم تكرار الاستماع إليها وممارستها .
- تنمية قدرة المتعلم على المحاكاة والنطق الصحيح، واكتساب مهارات الكلام يفوق الاهتمام بتنمية المهارات العقلية، والقدرة على القياس والاستقرار والاستنتاج .
الطريقة المباشرة وعلاقتها بالنظرية السلوكية البنائية
منطلقات الطريقة المباشرة:
تستند الطريقة المباشرة إلى عدد من المنطلقات من أهمها:
- أن الطريقة التى يتم بها تعلم اللغة الثانية تتماثل مع الطريقة التى تعلم الفرد بها لغة الأم .
- يستند تعلم اللغات إلى نتائج دراسات علماء النفس الترابطيين .
- فى ضوء المنطلقين السابقين ينبغى تدريس اللغة أصواتا وجملا فى إطار موقف طبيعى .
- يترتب على هذه المنطلقات أن الترتيب الطبيعى فى تعلم اللغة هو كما يلى : الاستماع فالكلام فالقراءة فالكتابة.
الطريقة السمعية الشفوية وعلاقتها بالنظرية السلوكية
تستند الطريقة السمعية الشفهية إلى بعض ما انتهت إليه دراسات علم النفس واللغويات والثقافات فى الخمسينات وستينيات هذا القرن، وفيما يلى إجمال لهذه النتائج:
- من حيث علم النفس:
تسلم هذه الطريقة بالنظرية السلوكية والتى تفسر عملية تعلم اللغة على أنه
استقبال مثير واصدار استجابة.
- من حيث علوم اللغة: سجل مولتون خمسة شعارات تمثل نتائج مهمة من نتائج البحث اللغوى لخصها وليجا ريفرز فيما يلى:
- اللغة كلام وليست كتابة .
- تعلم اللغة مجموعة من العادات وتكتسب هذه العادات بمثل ما تكتسب العادات الاجتماعية (وتتبنى هذه الطريقة نظرية سكنر فى اكتساب العادات عن طريق عمليات التعزيز وتدعيم السلوك)
- علِّم اللغة وليس عن اللغة، فيجب أن يقضى الطلاب وقتهم فى ممارسة اللغة وليس فى تعلم قواعدها .
- إن اللغة هى ما يمارسه الناطقون بها بالفعل، وليس ما يظن البعض أنه ينبغى أن يمارس (وطبقا لهذه الطريقة يتعلم الدارسون لغة الحياة بمفرداتها وتراكيبها).
- اللغات تتباين بعضها عن بعض، واسند أنصار الطريقة السمعية الشفوية لهذا المفهوم، وأخذوا يدرسون العلاقات بين اللغات، وبيان أوجه التشابه والاختلاف بينها؛ وذلك للتنبؤ بالصعوبات التى يمكن أن يواجهها الدارس عند تعلمه للغة الثانية.
من حيث دراسة الثقافة: غطت الطريقة السمعية الشفوية أساليب الحياة فى مجتمع اللغة الثانية بشكل عام .
النظرية البنيوية
تشير النظرية البنيوية "إلى تصور نظرى لتعليم اللغات يستند إلى الفهم الواعى لنظام اللغة كشرط لإتقانها، وأن الكفاية اللغوية سابقة على الأداء اللغوى وشرط لحدوثه".
وهذا يعنى أن يتوفر لدى المتعلم درجة السيطرة الواعية على النظام الأساسى للغة؛ حتى تنمو لديه إمكانية استعمالها بسهولة ويسر فى مواقف طبيعية، فالتعلم نشاط ذهنى يعتمد على قدرة الفرد الابتكارية فى استخدامه للقليل الذى تعلمه فى مواقف جديدة، وهكذا نحس بمذاق النحو التحويلى التوليدى لتشومسكى فى هذه النظرية .
منطلقات هذه النظرية
تعتمد هذه النظرية على عدة منطلقات ، من أهمها ما يأتى:
- اللغة الحية محكومة بقواعد ونظم ثابته. وتعلُّم اللغة عملية إدراك عقلى واع لنظامها، واستخدام اللغة يعتمد قدرة الفرد على ابتكار جمل وعبارات لم يسبق له سماعها أو استخدامها.
- إن قواعد اللغة ثابته فى نفوسنا؛ فقدرتنا على استعمال اللغة ليس سببه هو أننا نكرر ما سمعناه بشكل آلى بحت، ولكن فى قدرتنا الذهنية على تطبيق قواعد ثابته على أمثلة متغيرة.
- إن تعلم اللغة صفة إنسانية؛ فهو موجود فى الأنساق البيولوجية للانسان .
- إن تعلم اللغة يتضمن التفكير بها، وأن الممارسة الواعية للغة هى تلك التى تتم فى إطار من المعنى، وليس فى مجرد التدريب الآلى عليها .
- تولى هذه النظرية المعرفية اهتماما خاصا بتعليم المهارات اللغوية الأربع فى وقت واحد.
- تعتبر السيطرة على نظام اللغة (الصوتى والمعجمى والنحوى) شرطا لممارستها.
- تعتمد هذه النظرية على وضوح المعنى فى الذهن، الذى يعنى أن تكون ممارسة اللغة ممارسة واعية، وليست تكرارا آليا.
- الممارس للغة من خلال هذه النظرية لديه، مصفاة تمر من خلالها الممارسة اللغوية قبل وقوعها .
بين البنيوية والبنائية
- البنيوية ليست كالبنائية ، فهى ترى أن معرفة المتكلم أو الكاتب ليست تعبيرا عن الواقع كما هو موجود ، ولكنها تعبير عن رؤية كل منهما للواقع كما يراه هو.
- بناء المعرفة يعتمد على نشاط المتعلم وتصوره للكل فالأجزاء، فإعادة البناء فى نسق جديد، فالنشاط والمعرفة متلازمان .
- المعرفة عند البنيوية عملية إنسانية تعمل على حل مشكلات الفرد المعرفية والحياتية، فالمعرفة وسيلة لحل المشكلات ولبناء الإنسان من الداخل .
- المعرفة والذات العارفة مترابطان؛ فلا يوجد شخصان متشابهان فى معرفتهما عن شئ معين، فلكل منهم بصمته المعرفية الخاصة به التى تعتمد على خبراته السابقة.
- المتعلم ليس سلبيا فى استقبال معرفته من الآخرين، لأنه يبنى معرفته اعتمادا على خبرته السابقة.
- المتعلم بانٍ للمعرفة ولبنيته المعرفية؛ فالتعلم عملية تطوير مستمرة.
- إن الأفكار لا تنتقل من المتكلم والكاتب إلى المستمع والقارئ، وإنما تثير لدى كل منهما معانى وفقا لما لدى كلا منهما من قبليات معرفية فى بنيته المعرفية.
- يحدث التعلم عندما يكون هناك تغير فى أفكار المتعلم السابقة وفى قبلياتها المعرفية.
- تقاوم البنية المعرفية للمتعلم أو قباليته العرفانية أى تغير يحاول الدخول عليه، لذلك فتغيير هذه البنية لا يتم إلا إذا كان المتعلم نشطا.
- البنائية أدائية جزئية لكن البنيوية تضع تصورا كليا للجدار أو المبنى قبل أن تقوم بعملية البناء.
- يعتمد تنظيم المحتوى التعليمى المتمركز حول الأفكار والمعانى على النظرية البنيوية، حيث أنه يعتمد فى بناء المواقف التعليمية على الأفكار والمعانى الكلية، بينما تعتمد الطريقة المباشرة والطريقة السمعية الشفوية على النظرية البنائية التى تكون العادات اللغوية كلمة كلمة وجملة جملة .
- تعتمد البنائية على الذاكرة قصيرة المدى التى تحفظ قدرا يسيرا من الخبرات والمعارف التى يعنى بها المتعلم فى لحظات آنية مؤقته عند الشروع فى عمل ما، وقد ينساها بعد ذلك. أما البنيوية فهى تعتمد على الذاكرة بعيدة المدى التى هى بمثابة شبكة معرفية متواصلة، أو نسق منظم تتأثر فيه العناصر بعضها ببعض.
وهذا فى عرض يسير لنظريات التعلم وبعض تطبيقاتها التربوية.
المرجع : كتاب المرجع فى تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى .
د/ على مدكور د/ رشدى طعيمة د/ إيمان هريدى
تعليقات: (0) (يمكنك التعليق برابط صورة او فيديو) إضافة تعليق